٤/٠٥/٢٠٠٨

من مجموعتي القصصية " نباتات الأسفلت " قصة " آية التمهيد "

ا
رتجفوا .. إني آت .. نعم .. تبحثون عمّن تُمجدونه .. أيها الأذناب اختبئوا بين الأفخاذ .. اندثروا .. أنا الكائن المُكّون كونكم .. أنتم بي و لي .. أو لا تكونوا .. ارتجفوا .. إني ناظر إليكم .."
آية التمهيد : السطر التمهيدي: الصف التمهيدي: النحاسية الأولى
عن أحمد بن ثروت عن أمه عن جدته عن جدها عن صديقه - و كان آخر من جرت في عروقه دماء نحاسية – أنه قال : خير ما أبدأ به حديثي ، الدعاء بخلود النحاسي الأعظم فوق عرشه طول الدهر ، ثم ما عليَّ إلا تلاوة آيته الأثيرة " دائم أنا بين ضلوعكم للأبد ، مُخلّد بذكركم لي ، أنتم أترابي و عيالي .. اذكروني أبارككم .."
السطر السابع بعد الألف : الصف التاسع : النحاسية التاسعة
ثم استوى فوق الحصيرة و التفت نحو الحاضرين ... و تنحنح و سعل .. ثم استقام ظهره و قال : كان النحاسيون زُّرّاعاً و رعاة أكفاء .. لم تقف في طريقهم أرض جرداء أو نعجة ضامرة .. فقد كانوا قوماً يحسنون الصناعات و يتقنون فنون الكلام و ضروب الحكمة .. أخذوا ذلك عن أعظمهم " النحاسي الأول" .. فلم يسبقهم مخلوق في هذا - غير ذلك الغراب الأسود- و كان ليليّ السواد .. ذا منقار أحمر .. شديد الحمرة .. قد امتلك أصول الحكمة و الدهاء و الإخلاص ، و اجتمعت بين جناحيه لغات العالم السفلي و العلوي و الأوسط .. قيل أن النحاسي الأعظم أهدى ملك ملوك " سيين و ايلفنتين" قمقماً نحاسياً أحمراً به ثلاثون مارداً و عفريتاً يفعلون ما يؤمرون ، فأهداه الملك هذا الغراب .. بعثه مع رسول و رسالة .. فأما الرسول فلم يصل لسبب لا يعلمه إلا خلصاء النحاسي الأعظم .. و أما الرسالة فجاء بها .." خبرتُ أيها النحاسي الأعظم الأجّل حكايتك مع أولياء عهدك الثلاثة ، فقلتُ هذا الغراب يحل محلهم و يُبطل عادتك الحميدة في عقابهم – حقناً للرؤوس النحاسية فلا تُخّزنها أبداً- .. بقيتَ للنحاسيين ، و سلام مني حتى اللقا " ..فرأرأ النحاسي في الرسالة .. ثم جمع دهاقنة الحواري النحاسية .. فكأنها ليلة دهماء .. ثم قعد من ساعته ينظر نحوهم بجلال عينه.. و كانوا يفرحون بجمعهم عند النحاسي الأعظم .. فزال الفرح و زاد الوجل .. فكأن دهليزاً ضيقاً سُدّت نهايته كان ملاذ آبق اصطاد سمكة عنوة ، فلحقته عفاريت النحاسي الأعظم .. كأن هذا الدهليز احتواهم ، موشكاً أن تلتقي ضفتاه فوق عظامهم .. و الصمت سائل بين الضلوع ..
و النحاسي الأعظم راح و جاء و نخنخ بين الدهاقنة .. فمن امتلأ أنفُه نخامةً ابتلعها .. و من استحالت رأسه رأسَ أتان حملت جحشين في أحشائها .. و من غرقت سراويله في ماء مالح ذي رائحة .. و من صَمَتَ فحسب .. كل دُهقان حسب خِلقته .. و ما لبث الصمت أن استحال ضجيجاً .. صرخات عظيمة من دماغ النحاسي الأجّل .. فكانت رجفة هائلة عمّت السماء و الثرى .. قيل أنها ظلت ألف سنة إلا تسعا.. و أذرعة الدهاقنة مفرودة ، لا تستطيع انثناءً .. قيل كانوا ثلاثة دهاقنة أو خمسة أو سبعة .. و ثامنهم النحاسي الأجّل يدمدم .ز ثم استقر و سكن .. فسكن الجمع .. بعدها ارتاح فوق عرشه ، و أمر بقبول الهدية .. ذلك الغراب الذي رافقه معظم الدهر .. قبل أن يكتشف خيانته - و كان ذلك صدفة لم تجتمع أركانها في أزمنة غابرة و أحسبها لا تتحد في أزمنة لاحقة - .. و يزعم بعض أجدادي النحاسيين الموثوق في صدقهم - و ذلك لكونهم أجدادي – يزعمون أن الغراب كان خائناً منذ البداية .. لكّن خيانته كانت تُرّسخ عرش النحاسي الأكبر .. و لمّا تيقن النحاسي الأول أن شدة الرسوخ تُسّهل الكسر ، و أن النحاسيين بطبقاتهم الثلاثة – الفقيرة و الفقيرة جداً و شديدة الفقر – قد ملّوا منظره .. و زادهم دوام شكله غضباً .. أمر بذبح غرابه المحبوب و ولي عهده الأبدي .. علّ النحاسيين ينشغلون بالبحث في سبب مقتله عن البحث في هيئة معيشتهم .. لكن الكيل فاض .. و الغضب زاد .. فأطلق المغرضون الشائعات عم حاكم يقتل ولي عهده المحبوب.. فكيف بعبيده المبغضين .. عندها لم يجد النحاسي الأول مفرّاً من إطلاق عفاريته و مَرَدته و فتح القماقم جميعها ، غير أن ما فعله المَرَدة و العفاريت كان عجيباً بحق ..
و هنا تصلّب جسد آخر النحاسيين و سقط فوق الحصيرة .. فما كان من جد جدتي إلا أن غسّله بعد أن أبدل ملابسه .. و صلّى عليه الجميع سريعاً ........................
يناير 2000

ليست هناك تعليقات: