٤/٠٦/٢٠٠٩

من مجموعتي القصصية " نباتات الأسفلت " ..قصة : مأوى

مأوى
خمسون عاماً من التسكع وسط الحارت المهمشة .. خمسون عاماً من التقلب بين أحضان القاذورات و العفن .. مهجور من الجميع .. حتى رَحِم أمك .. ذلك المأوى الدفيء قد ازدراك .. معقولة تلك المعادلة.. أمك لم تحتمل عويلك سوى أشهر سبعة .. فكيف يحتويك الآخرون ؟ .. خمسون عاماً من التأرجح بين جميع المهن المنحطة .. ترنحت رأسك دائماً تحت بصاق الآخرين .. التحفتَ بتهكماتهم .. تعلم فعلاً أن الله أوجدك .. لكنك لم تناقشه أبداً .. و كأنك لم تعلم بوجوده سوى اليوم .. حتماً خلقك، و حتماً لن يزدريك .. رائعٌ جداً أن تنام في كنفه .. فبيوته عديدة و لن يضيره أن تتخذ ركناً " متر ف متر " من أحدها .. لن تحتاج لخلع نعليك فلست بالواد المقدس .. و ليس لك نعلين حقيقةً .. طرية أرض الرب.. لا تلتصق بقدميك ، فتتوسدُ ذراعكَ في حميمية مفتقَدة .. خمسون عاماً من الغباء .. ربما لم تنتبه لذلك أبداً .. أن تنام في كنف الرب .. يطعمك من طعامه .. يسقيك عسلاً و خمراً .. خمسون عاماً من الاستيقاظ .. لكنك لن تضاجع الحور هنا .. إنهن ينتظرنك في فراش الرب .. متوسدات تلك الأرائك الخضراء .. عيونهن شغوفة بلقائك .. أجسادهن مفروشات لك .. لك وحدك .
فلتكمل لعبة صبرك المبتكرة .. اللعنة على أصحاب العباءات الخضراء و اللحى .. واردٌ أن نور الله يحميهم .. لأنهم خلفاؤه في بيوته .. لكنهم يزعجونك على نحو ما .. نَم في هدوء و استكن .. فليس لأحد أن يتعرض لضيف الخالق بسوء .. من الممكن أن يتسربوا نحوك بهالاتهم .. أنه تنفرج شفاههم بزاوية مستقيمة .. معلنةً وجوب خروجك من المسجد حالاً .. سُيور لعابك المتقطعة تسيل فوق ذقنك .. تبلل معطفك ذا الألوان الغامقة العديدة .. مع ذلك فبريق عينيك لا يخيف أحداً سواك .. مع ذلك يؤكدون وجوب خروجك .. مع ذلك تعلن أنك ستنام .. فيُقذف جسدك المنحول خارجاً .. مصحوباً بلعنة و تكبيرة و تسبيحة .. أيوافق الرب حينها .. تلملم أعضاءك المبعثرة .. تحاول الهروب منك .. فتحتويها غصباً .. و كأن الله أوجدك ليمتهنك .. جائز أن تمتهن ذاتك الجميع .. واردٌ أن تقدسهم .. و لم يقدسك أحد أبداً .. امتهنك شيخ الجامع .. ألقاك فوق برودة الأسفلت تماماً .. فلم تتأوه .. لم تثر على الله .. لم تستجده .. فقط ستنتزع ضلوع قفصك الصدري .. سترصها أمامك .. و تصلها بحبلك السُري المهتريء .. ثم تغمسها في دمائك الصفراء .. و تحاول ربط كلماتك بها .. فتنتثر شظايا .. علّها تكون بذوراً عقيمة .. جائز أن تندفع نحو هذا الطفل الملتصق بذراع أمه .. جائز أن تسلب رغيف خبزه الملفوف .. المبتل بلعابه .. ربما تزدرده كاملاً .. فتصرخ أمه .. لكن صرخات معدتك ستكون أكثر صخباً .. ستعلو ضجتك الجميع .. عندها لن يغضب الطفل .. فقط سيعطيك رغيفاً آخر .. مبللٌ ذلك الرغيف بدهشته ، فتطلق كلماتك المحاصرة نحو السماء مباشرةً .. ستحلّق بعيداً بعيداً نحو العرش .. ستكون عصافير و غِرباناً تخفق أجنحتها بعنف .. فترسل هواءً بارداً يزيد الرب سروراً .. تصل كلماتك لله .. فتبدو أنت خاوياً .. فارغة ضلوعك من آثار الكلام و الخبز .. مفتت هيكلك العظمي و منحدر جوار الصندوق الضخم .. فتنسّل أشعة الدفء الباقية من ساعات النهار الماضية ، داخل جسدك المنهك .. تطمئنك قليلاً .. و أنت استاتيكي حتى النهاية .. الصندوق خصب حقاً .. فتنفلت يداك في عنف و دقة داخله .. و لن تود إغلاق الضفتين أبداً فتسحب جثتها و قد ارتكز ثقلها فوق باطن كفيك .. و ستقرر أن تُفند أشياءك بجوار الصندوق حينما تخرج .. تؤكد أن النظام مهم جداً .. عندها سيبدو الليل طويلاً جداً .. بلا نهاية .. فذُبتَ في تراخيك لثوان .. معلق أنت بين امتداد القهر و الاستسلام .. ساهمٌ و محتبس داخل وحشتك الخاصة .. تلتفت نحو الله .. علّك ترتفع.


مايو – أغسطس 1999










مأوى " كتابة أخرى"

1_ أوفرتير :- اقرأ ما قرأت َ ..
ثلاثة دقّات بطيئة ...

2_ دراما حركية :-
لو أنك غضبت حين ألقاك شيخ الجامع فوق برودة الأسفلت تماماً .. لو أنك تأوهت .. لو أنك ثُرت على الله .. لو أنك لم تستجده أبداً ..
طالما أن كلماتك المرعوشة مبتورة .. طالما أنها صارخة كعذاباتك .. منزوعة ضلوع قفصك الصدري .. متراصة أمامك .. فستصلها بحبلك السُري المهتريء مغموسة في دمائك الصفراء ..و ستحاول ربط كلماتك بها ..فتنتثر شظايا ..علّها تكون بذوراً عقيمة .. جائز أن تندفع نحو هذا الطفل الملتصق بذراع أمه جائز أن تسلب رغيف خبزه الملفوف .. المبتل بلعُابه .. ربما تزدرده كاملاً .. محتمل أن تصرخ أمه .. لكن صرخات معدتك ستكون أكثر صخباً .. ستعلو ضجتك الجميع .. غارساً رايتك في جمجمة أحدهم كرشق سكين في حجر أزلي ..

3_ مشهد بديل :-
مدهشٌ أنك لن تفعل هذا ..
فلن تغضب .. لن تتأوه .. لن تَثُر على الله .. فقط ستستجديه ..
يا رب .....
ستنطلق كلماتك المحاصَرة نحو السماء مباشرة .. ستُحلّق بعيداً بعيداً نحو العرش ..ستكون عصافير و غِرباناً .. تخفق أجنحتها في عنف .. فتُرسل هواءً بارداً يزيد الرب سروراً .. تصل كلماتك لله .. فتبدو انت خاوياً .. فارغة ضلوعك من آثار الكلام أو الخبز .. و ستصبح لك القدرة على الغرق وسط نكهة الجوع المشبع بالحسرة .. هيكلك العظمي المفتت ينحدر جوار ذلك الصندوق الضخم .. حينئذٍ تنسّل أشعة الدفء الباقية – من ساعات النهار – داخل جسدك المنهك .. تسري داخلك .. تطمئنك قليلاً .. ساعة كاملة مرّت دون أن تغير وضعك الاستاتيكي .. عيناك ميتتان .. تنتفض فجأة و كأن عقرباً لدغك وسط رأسك المكدود .. أن تحاول تتبع مصدر اللدغة فأنت تُسقط ، بقايا أرغفة .. حبة طماطم فاسدة .. ربما قطعة من لباس داخلي لطفل في السادسة ..
أحمدك يا رب
حينما تخرج تُفند أشياءك ..
النظام أهم حاجة ...

4_ فِنال :-
بدا الليل طويلاً جداً .. بلا نهاية ..
استمتعت بلذّة التملص .. ذُبت في تراخيك لثوان .. تملؤك المخاتلة كما لو كنت بقرة صفراء لم تجّر محراثاً قط .. و سيبلغ سوء الحظ مداه ..
حينئذٍ لا تخش عشوائيته ، حينما يرفعونك فوق المذبح المقدس ...

5_ مشهد تخميني ..
كلاكيت للمرّة اللانهائية :-

راكور:- سبعة عقارب تدور عشوائياً وسط المزولة ...

خلفية موسيقية :
* أعرف بشر .. عِرفوني .. لأ ..
لأ ما عِرفونيش .. جِبلوني و جِبلتهم ..
بامدّ إيدي لك .. طَبْ ليه ما تِجبَلنيش ؟..

مجموعات كومبارس كثيرة .. ملتفة حول بعضها .. متلاصقة و متناثرة .. تهدر في هدوء صاخب ....... " تاك تاك دوم "...

زووم مفاجيء على أجساد تتكون تدريجياً ،
بلا أذرعة .. بلا أرجل .. بلا رؤوس-----cut

سبوّت إضاءة متحرك يُتابع جمجمة تتقاطر من خلفيتها دماء سوداء .....
cut

مونتاج :................................. تم حذف المشهد كاملاً .

Black

* من أغنية " حدوتة مصرية" للشاعر :عبد الرحيم منصور

مايو–أغسطس1999