٣/١٤/٢٠٠٨

من مجموعتي القصصية " نباتات الأسفلت " قصة : " الخروج"


1 – في وطن كالوطن ، في بلاد كالبلاد ؛ كُنّا نعمل كل يوم طوال النهار و الليل ؛ و كان أطفالنا يتمّرغون عرايا في التراب فتزعق عليهم زوجاتنا كل غروب .. كانت زوجاتنا يلدن أطفالاً كي يلقينهم في التراب ليزعقن عليهم في الغروب.
2- ظهر الزعيم في التلفاز كالعادة ؛ كان وجهه متوّرداً و عيناه ساكنتين ، ارتّص الوزراء و المحافظون و كبار الموظفين و القادة خلفه ، كانوا جميعاً ينظرون لقفاه ؛ واحدٌ يعبث بخنصره ، و آخر يُدقق في حساب المسافة بين قدميه المضمومتين ، و ثالث واقف كالنائم أو نائم كالواقف .
قالت المذيعة بفرح و هي تغطي النصف العلوي لثدييها أن الزعيم سيذيع بياناً هاماً ؛ ثم رفعت سبابتها و وُسطاها بعلامة النصر و ابتسمت ، بعدها سقطت وُسطاها و انتصبت بقية أصابعها في وجوهنا ؛ فابتسمنا .
3- كان الأولاد يتصارعون و يحلمون ، يبنون قصوراً واسعة لفتياتهم ؛ كان الأولاد يريدون عملاً و نقوداً ... قال الأولاد " الزعيم يذيع بياناً ..... عادي..." ثم ارتكن كل واحد صدر رفيقته و نام . انسابوا في أحلامهم منتظرين يبنون قصوراً من الكلمات و الورق .
الفتيات كُنّ يحلمن بأردية بيضاء و زغاريد ، كُنّ يقرصن مَن تسبقهن للزواج في ركبتها ، قالت الفتيات " الزعيم يذيع بياناً ... الرجل الكريم سيمنحنا البيوت و الأزواج " ... ثم ناموا حتى الصباح في أحضان أزواجهم ، و الزعيم يُرّبت على كتف كل واحدة منهن .
كان العُمّال يعملون ، و الزُرّاع يزرعون ، و الموظفون يتوظفون ؛ كانوا يفعلون أشياء كثيرة كل يوم ... قالوا " الزعيم يعطينا علاوة ... سننفقها كلها .." ثم ناموا القيلولة ؛ منتظرين ليلاً فسيحاً يضم المقاهي و أوراق البنكنوت .
أمي قالت " الزعيم يمنح دوماً ، أمّا الوزراء ملعونون ليوم الدين لأنهم يأخذون ما يمنحه الزعيم و فوقه " .. ثم قبّلتني قبلة طويلة محشوّة بالانتظار .
4 – تنحنح الزعيم فصمت الجميع ؛ وقف كل من بالمقهى أمام التلفاز ؛ قال الزعيم " عشرون عاماً و أنتم ساكنين .. شعب ميت .. سئمتكم .." بكى الجميع و انتحبوا .." سئمَنَا الزعيم " .. ثم ضربوا جملة واحدة في الهواء " لا تتركنا يا ربنا " ؛ صرخ الزعيم " عشرون عاماً بلا ثورة .. مللتُكم .." ثم حزم أمتعته و رحل .. فحزمنا أمتعتنا في كيس كبير و سرنا خلف الزعيم طابوراً طويلاً ......
أخذت كلماته تتساقط فوق رؤوسنا .." سأُلقي نفسي في المالح .."
و كانت الأرض تتمدد و تنكمش ... تزمجر و تنبسط و هي تمّد صدرها اللدن فنمشي فوقه الهوينا ؛ ألقينا أنفسنا في المالح بنظام .
أغسطس 2001